أحد الأصدقاء في رسالة خاصة قال لي: أليس من حق الرئيس أن يطالب بعزل رئيس الوزراء إن لم يكن على تفاهم معه؟ ألم يكن هو من عيّنه؟ أليس من الطبيعي أن يكون هناك قدر من التّفاهم بين الرئيس ورئيس الوزراء؟ لماذا لا يقبل طلب الرئيس بالاستقالة؟
قلت له: أليس من حق رئيس الوزراء عزل الوزير الذي لا يراعي الهرم التسلسلي للإدارة؟ أليس من الطبيعي أن يقبل الوزير أي حقيبة تسند إليه أو يستقيل؟ أليس من واجب المرؤوس إلتزام أمر الرئيس؟ وهنا الوزير مرؤوس ورئيس مجلس الوزراء هو الرئيس؟
***
الكلام المذكور أعلاه لا يعني أني على حق أو أنه على باطل، بل يعبر عن الصورة الذهنية التي يحملها البعض عن الحكم والإدارة. ويكشف عن ضعف قرآءة لتطورات الواقع الصومالي. إذ أن الصوماليين لم يطيحوا بعد سنوات من التمرد بنظام سياد بري الشمولي، ليقبلوا بمثله. لهذا صوت غالبية البرلمان الانتقالي على مسودة الدستور المؤقت الذي يمنح الرئيس فرصة لتعيين من يراه مناسباً، مع سحب حق العزل عنه، لأن الجينيات الاستبدادية والمزاجية مترسخة وضاربة في عروق الإنسان الصومالي، واي قرار تعسفي سيشكل بلا ريب تهديداً من شأنه تقويض عملية بناء الدّولة في البلاد.
يصعب على فئات واسعة ولا سيما ممن يرون في أيام الحكم العسكري “الزمن الجميل” ومن الواجب استنساخه. وقد دفعتهم الفوضى الإداراية والفراغ الدستوري الذي دام عقدين للكفر بالديمقراطية.
فالدبلوماسي المعروف أبوكر عرمان وأستاذ العلوم السياسية أفيري علمي يريان أن مشكلة الصراع بين الرئيس ورئيس الوزراء بسيطة، ويكمن حلها في وضع كافة السلطات بيد الرئيس، ليتحمل وحده المسئولية في ظل ظروف سياسية معقدة.
الأستاذ أبو كر عرمان والدكتور افيري يقدّمان طروحات يوتوبية مثالية لا يمكن تحقيقها في المدى المنظور. لأن الواقع يقول أن حرباً طاحنة جرت على هذه الأرض، وان الحكومة يجب أن تعبر عن كافة الأطياف السياسية “العشائرية”، وهذا لا يروق لهم، لأن لديهم في أذهانهم دولة متجانسة عرقيا ودينيا ولغوياً، ويريدون تنميط فكرة التوتاليتارية تمسح التباينات الفكرية والاتجاهات التي خلقتها الحروب.
لكن طروحاتهما تجد أصداء لها بلا شك، فالخطابات الديماغوجية التي تلامس العاطفة الوطنية من شأنها أن تلبس الكاتب أو المفكر رداء الوطنية والغيرة على الثوابت القومية.
من ناحية أخرى، لا تزال بعض الأسئلة تطرح نفسها على الساحة بإلحاح: كيف يحق لرجل لم يختره الشعب ولا يسيطر على البلاد كلها أن يتولى المسئولية منفرداً؟
أو كيف يمكن لهذا المسئول أن يبسط السيطرة على كافة الأراضي الصومالية؟
هل سيغزوها بمجموعة من الجيوش التي درّبتها الدّول المجاورة؟
هل سيطلب تفويضه من كل قرى وبلدات الصومال، عبر استفتاء شعبي؟
صحيح: كيف يمكن إجراء الاستفتاء أساساً في أماكن لا تؤمن بما يدعو له هؤلاء؟
إن الدّعوة المبطنة التي يوجهها كل من يدعو لتركيز السلطة بيد شخص الرئيس في السنوات العشرين القادمة هي: أرق الدّماء وازرع الرعب، تحصد سيادة على الأرض والشعب.
وهذا دليل بأن سياد بري لم يرحل، ويحكمنا من قبره عبر العقول التي نشأت في مدارس وجامعات XHKS أو الحزب الاشتراكي الثوري الصومالي. بعد أن توقف بهم الزمن عند فترة ما قبل انهيار جدار برلين، وقبل تفكك الاتحاد السوفياتي.