إلمن مع طلابه في أحد معاهد التأهيل

تمارس الأنظمة الاستبدادية صنوفا شتى من الملاحقة لكلّ من تسوّل له نفسه التعبير عن رأي يعكس وجهة نظر تخالف الأسس التي تقوم عليها، فتعتمد الرقابة الشديدة على الأفكار، وتسدّ منافذ ومنابر الرأي ولا سيما وسائل الإعلام، وغالباً ما تمنع التعددية الحزبية الحقيقية.

في بعض البلدان نرى حملات شرسة ضد الانتظام في أحزاب أو حركات وربما تمتد الحملات للأندية الثقافية، ومنظمات المجتمع المدني، وتتشكل كتائب إعلامية (أبواق حكومية) لمناهضة هذه النشاطات الثقافية والفكرية، وتكال لها التّهم، ما يمهدّ الطريق لاعتناق شرائح مجتمعية لمبدأ نبذ التفكير الحرّ واعتباره رجساً من عمل الشيطان، وباباً للفتنة يجب سدّها, عدا عن خطورة تبرير عمليات الملاحقة والاعتقال والتعذيب، بل وحتى إصدار أحكام غليظة تصل للسجن المؤبد أو الإعدام.

ففي الصومال على سبيل المثال، ومنذ سقوط الدّولة لم يعد لنا ترف الاعتقال السياسي، فقد بدأت المليشيات القبلية في أول عهدها بتنفيذ حكم الإعدام فقط لاختلاف الانتماء القبلي، “القتل على الهوية”، وحين ظهرت حركة الشباب المجاهدين، لم يكن الاعتقال أو المحاكمات أمراً وارداً، فإقامة الحدود بطريقة تعسفية وغير شرعية هو الحل؛ كعمليات الإعدام بدعوى العمالة للحكومة، والرجم دون شهود (لا أذكر عملية رجم لرجل، فقط نساء) ، وأصبح استهداف المشايخ المنددين بممارستها في مرمى نيرانها، يغتالون في المساجد. إن وقوفك في معسكر لا يواليهم لجريمة لا تغتفر.

هذا ليس كلّ شيء، فالحكومة تمارس دوراً شديد الغموض في عمليات الاغتيال المنظمة، بدليل أنّ تحقيقاً واحداً لم يجرَ، ولم نرَ إدانة واحدة لأي متّهم، بل نسمع أحاديث هامسة عن الإفراج عن متهمين ضبطوا في قضايا اغتيال.

والإعلام.. لا دور له سوى التواري خلف الكلمات، وأصبحت عبارة (قتل فلان الفلاني في منطقة كذا على يد مسلحين مجهولين)، فهم حريصون على حياتهم التي يعرفون أنّهم سيخسرونها إن تحدثوا مع شهود عيان أو قاموا بإجراء تحقيق استقصائي، ما يمنع الوصول لأي حقائق.

أتدرون ما هو الأسوأ في اغتيال أصحاب الرأي؟

إنّه ليس اغتيالهم، وترك دمائهم تذهب هدراً، بل الشماتة بقتلهم، والاستخفاف بدورهم، فحين نتحدث عن مقتل (ألمن) صاحب شعار (دع البندقية وارفع القلم)، قالوا: صليبي، مرتد، خائن، انظروا لشعره الطويل المشعث.. (حلف ألمن ألا يحلق شعره فكان شعره الطويل دليل إدانة)

وحين اغتيلت الفنانة وعضو البرلمان (سادة علي ورسمي)، التي يراها الكثيرون أيقونة النضال ضد الظلم، قالوا: لم تكن سوى فنانة،  أصبحت برلمانية بالصدفة!! والواقع أنّ هذه السيدة هي الوحيدة التي قالت في جلسات البرلمان الأولى وهي لم تتعاف بعد من حادث تعرضت له: (لنحتمل المسئولية، وتذكر أيها البرلماني أنّ الاقتتات بالظلم حرام) إشارة لسمعة البرلمانيين الصومالي السيئة بخصوص تقاضيهم مبالغ خيالية لقاء غض الطرف عن الحكومة وفسادها.

سادة علي ورسمي وألمن ليسا سوى نموذجين فقط من نماذج إطفاء شراراة الكرامة والحرية. فقائمة ضحايا الظلاميين من عصابات قبلية أو من حركة الشباب أو غيرهما تطول. من أمثال الدكتور أحمد حاجي عبد الرحمن، وهو ممن ناهضوا القرصنة، ونجح في دفع كثيرين منهم للكف عن أعمالهم الإجرامية، والعودة لمجتمعاتهم،  والشيخ نور فارح غعمي الذي لم يتوقف عن تقديم الأدلة على فساد منهج حركة الشباب، وظهر في تسجيل مصور قوله بأنّه لا محالة سيقتل على يدهم، ولكنه لن يصمت … الخ

إن الاعتقال السياسي ترف غير متاح في الصومال، والسؤال المؤلم هو: إذا كان الشباب في المجتمعات ذات الأنظمة الاستبدادية ينتفضون ويغضبون من الاعتقال، فما الذي يجعل شباب الصومال متسمرين لا تحركهم الاغتيالات شبه اليومية؟ ما الذي يسكتهم، وهم يدرون أنّ صمتهم لا ينقذهم في كل الأحوال؟

 

 

You are not authorized to see this part
Please, insert a valid App IDotherwise your plugin won't work.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *