ما هي العبرة التّاريخية من الخلافات داخل نظام الحكم في الصومال؟
يتكوّن النظام السياسي الصومالي الحالي من سلطة تنفيذية يترأسها رئيس الوزراء، وسلطة تشريعية ممثلة بالبرلمان، وسلطة قضائية، بينما يعتبر منصب الرئيس منصباً شرفياً. وكان السبب في تقليص صلاحية الرئيس محاولة للخروج من أزمة انفراد الرئيس بالرأي، كما ظهرت المحاصصة القبلية لحفظ التّوازن في تمثيل القبائل في الحكومة والبرلمان والوظائف العليا. وهذان التغييران الأخيران إنّما ترسّخا كنتيجة للذاكرة المثخنة بمرارة الماضي من استحواذ عشائر بعينها على الحكم، ما أدى لبروز حركات متمردة مسلحة، تكافح العشائر الحائزة على الامتيازات أكثر من النّظام الذي منحها هذه الامتيازات.
وقد جوبه كلا التغييران بالنقد والرّفض نظرياً، بينما أخذت طريقها للتطبيق عملياً فيما يشبه الاضطرار؛ فالمجتمع الصومالي لم يفهم بعد معقولية وجود رئيس بصلاحيات تنفيذية محدودة، ولم يتقبل أي من الرؤساء فكرة أن يكون رئيس الوزراء مخولاً بتعيين وتغيير وأقالة الوزراء ومسئولي السلطة التنفيذية دون أن يحتاج لمرسوم رئاسي؟ وظلت الخلافات الدّاخلية بين هذا الهيكل تتكرر بشكل لافت طوال السنوات الأربع عشرة سنة الماضية. فما هي العبرة التي يمكن استخلاصها من هذه الصدامات؟
كشفت هذه الظاهرة عن هشاشة المصالحة الوطنية تجلى ذلك في الشّك الذي تضمره القبائل ضد بعضها البعض، فقد لوحظ كثافة التّحريض على عبد الولي شيخ أحمد بدعوى أن تغيير الحقيبة الوزارية لفارح عبد القادر ناتج عن إملاءات من رئاسة بونتلاند. وآخرون يؤكّدون على أن فارح نُقل من وزارة العدل لوزارة الثروة الحيوانية نكاية بالرئيس وتقليم لأظافر فريقه، كون الرجل عضوا مؤثراً في الحلقة المحيطة بالرئيس. بينما يعتقد البعض أنّ هذه مكايدة قبلية كون فارح عبد القادر من قبيلة معدومة التأثير على الساحة الصومالية. هذه الشائعات خصصت لها حلقات التوك شو على الفضائيات الصومالية، لدرجة أن المشاهد بدأ يعتقد حقيقة بأن الصراع قبلي بحت، وأن الصدام الدّاخلي ناتج عن منافسة بين عشائر متناحرة وجبهات قبائلية متنافسة.
كما أن هذه الخلافات أظهرت قبولاً للاستبداد وحنيناً لأيام النّظام العسكري، إذ لا يستنكر كثير من النّخبة ميل الرؤساء للتصادم مع رؤساء الحكومات، ويرون أنّ وجود منصب رئيس حكومة في ظل نظام برلماني أمر كارثي، والصومال لا يحتمل وجود رئيس ورئيس وزراء، وينصحون بتسليم السلطات كلها للرئيس، لأنّها الطريقة الوحيدة لإنهاء الصراع الدّاخلي للنظام السياسي الحاكم. ويلعب الإعلام دوراً في التّرويج لهذه الفكرة حتى أن من لا يتابع الشأن الصومالي من العرب والصوماليين خصوصاً سيشعر باستهجان موقف رئيس وزراء لا ينتظر مرسوماً رئاسياً يُعلمه بتعديل وزاري أو بحلّ المجلس أو بأي شيء آخر.
لكن أهمّ ما يمكن استخلاصه من هذه الخلافات المتكررة أن في الصومال تيّاراً مناهضاً لسيادة القانون والدستور، فبناء دولة صومالية فيدرالية أمر غير واضح المعالم بالنسبة له، ولديه مخاوف على مصالحه التي اكتسبها بعد الحرب، إما بالسلاح أو بالصدفة البحتة. كما أنّ مناهضة القانون أمر يمكن فهمه في سياق الثقافة المجتمعية الرعوية التي لا تقبل بوجود سلطة فوق سلطة الرمح، أو بحدود تمنعه من الوصول لحيث الماء والكلأ.
وبما أن البرلمان قد سحب الثقة من حكومة رئيس الوزراء عبد الولي شيخ أحمد، والفترة الدستورية المحددة لتعيين آخر مكانه هي شهر كامل، والتوقعات تشير إلى أن عملية تشكيل مجلس الوزراء سيستغرق أسابيع، فإن ولاية الرئيس حسن شيخ محمود ستنفذ دون أن يكون لدى المراقبين أمل في أن رؤية الصومال لعام 2016 تحقق بسهولة، فإجراءات الاستفتاء على الدّستور لا تبدو واضحة المعالم، كما أن الغموض يكتنف قضية تشكيل الدول الفيدرالية، أمّا الانتخابات فلا توجد دلائل تشير لاحتمال انعقادها في وقتها.
إن الثمرة الأكيدة والوحيدة التي يمكن أن تؤدّي إليها الخلافات داخل النّظام الصومالي هو تأجيل عملية بناء الدّولة، وكلما تأخرت هذه العملية كلما زادت احتمالات تفكك ما تبّقى من الدّولة الصومالية، لأن خطابات الكراهية والمقترحات البرلمانية الكيدية لن تؤدي دوراً إيجابياً في عملية إعادة اللحمة بين الشعب، وإنّما يزيدهم تنافراً وتعادياً.
مقالتي المنشورة على موقع تكايا www.takayaa.com