من البلاء حقاً أن يكون في العالم دولة بلا حكومة فاعلة ولمدة تزيد عن العقدين، وأن تكون لديها حكومات هشة لا تسيطر على أي ملف، ومع ذلك يقول المسئولون: “فليدعنا المجتمع الدولي وشأننا.. نحن دولة مستقلة وذات سيادة”، وبهذا يتجاهل القائمون على حكومة العار هذه حقيقة أن المجتمع الدّولي ممثلاً بالأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيغاد يقدّمون لها المعونات المادية والأمنية.إن الحديث عن سيادة الدّولة في معرض انتقاد الدستور المؤقت الذي ينص على الفيدرالية وتأسيس الإدارت الفيدرالية على أساس الرضا الشعبي، دليل دامغ على سعيهم لإعاقة سير البلاد نحو رؤية الصومال 2016، فليس من مصلحة هؤلاء أن يستقر الصومال،وإلا ذهبت جهود عشرين عاماً من شيطنة الفيدرالية وتخويف الناس من بعبع التقسيم أدراج الرياح.
إن أي تقدّم نحو تحقيق رؤية 2016 يشكّل ضربة لأماني قبائل وأفراد كانت النزاعات وحالة اللا استقرار مصدر ثرائهم ونفوذهم المعنوي، لأن وصل حسن شيخ محمود للرئاسة اعتبر أكبر إنجاز لهم، وأنّ الطريق بات معبّداً أمامهم للتّخلص من المشروع الفيدرالي، وتقليص سلطات الرئيس، ومبدأ المشاركة في السلطة الذي ينص عليه الدستور.
تعلمنا التجارب أن العزف على وتر الوحدة الوطنية، وتلاوة عوامل الترابط والانسجام المجتمعي بخشوع آناء الليل وأطراف النهار ما هو إلا خطاب ديماغوجي مفلس، يتستر وراءه من يسعون لإعاقة مشروع الدّولة الفيدرالية. لأن المتتبع لحواراتهم ومقالاتهم يمكنه أن يستشف مقدار العنصرية في كلامهم، ويلاحظ مدى الخلط بين الحقيقة والدعاية بطريقة تعمي أبصار القرّاء البسطاء كما في مقالة مراسل الجزيرة السابق وأحد الباحثين في مركز الجزيرة للدراسات حين شبّه بونتلاند (أكبر مناصري الفيدرالية) بكردستان العراق، ما يعطي إيحاءً غير برئ للقارئ العربي، وقد لاقى التشبيه صداه المنشود في قلوب معارضي الفيدرالية. وحتى حين يتشجع أحدهم ويقول بصراحة من هم الرافضون ولماذا، ومن هم المؤيدون ولماذا، تراه ينكفئ للشعبوية ويصف الفصيل الواحد الرافض لمشروع الفيدرالية بعبارة (كثير من الصوماليين) لإرسال رسالة مفادها أن الرأي العام يرفض الفيدرالية التي فرضتها جهات أجنبية على دولتنا ذات السيادة…!
إن الذنب ليس ذنب هذه النخب المتنفعة، بل يتحمل جزءً كبيراً منها من يصمتون خوفا ًمن وصمهم بالقبلية والجهوية، واستسلموا للدعايات العدائية بخنوع، وفضلوا الحفاظ على سمعتهم طاهرة وإن كان ذلك على حساب استقرار البلاد وتأسيس المؤسسات المقوضة لأكثر من عقدين